فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه ذكر علامات وقوع هذا اليوم.
أولها: قوله تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)}
وذكرنا تفسير الطمس عند قوله: {رَبَّنَا اطمس على أموالهم} [يونس: 88] وبالجملة فيحتمل أن يكون المراد محقت ذواتها، وهو موافق لقوله: {انتثرت} [الإنفطار: 2] و{انكدرت} [التكوير: 2] وأن يكون المراد محقت أنوارها، والأول أولى، لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار.
ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور.
وثانيها: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)}
الفرج الشق يقال: فرجه الله فانفرج، وكل مشقوق فرج، فههنا قوله: فرجت أي شقت نظيره {إِذَا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25] وقال ابن قتيبة: معناه فتحت، نظيره {وفتحت السماء} [النبأ: 19] قال الشاعر:
الفارجي باب الأمير المبهم

وثالثها: قوله: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)}
وفيه وجهان أحدهما: نسفت كالحب المغلث إذا نسف بالمنسف، ومنه قوله: {لَّنُحَرّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ} [طه: 97] ونظيره {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} [الواقعة: 5] {وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً} [المزمل: 14] {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً} [طه: 105] والثاني: اقتلعت بسرعة من أماكنها من انتسفت الشيء إذا اختطفته، وقرئ {طُمِسَتْ} و{فُرِجَتْ} و{نُسِفَتْ} مشددة.
ورابعها: قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{أقتت} أصلها وقتت ويدل عليه وجوه أحدها: قراءة أبي عمرو {وقتت} بالواو وثانيها: أن أصل الكلمة من الوقت وثالثها: أن كل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة فإنها تبدل على الإطراد همزة أولاً وحشواً، ومن ذلك أن تقول: صلى القوم إحدانا، وهذه أجوه حسان وأدؤر في جمع دار، والسبب فيه أن الضمة من جنس الواو، فالجمع بينهما يجري مجرى جمع المثلين فيكون ثقيلاً، ولهذا السبب كان كسر الياء ثقيلاً.
أما قوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] فلا يجوز فيه البدل لأن الضمة غير لازمة، ألا ترى أنه لا يسوغ في نحو قولك: هذا وعد أن تبدل.
المسألة الثانية:
في التأقيت قولان: الأول: وهو قول مجاهد والزجاج أنه تبيين الوقت الذي فيه يحضرون للشهادة على أممهم، وهذا ضعيف، وذلك لأن هذه الأشياء جعلت علامات لقيام القيامة، كأنه قيل: إذا كان كذا وكذا كانت القيامة، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال: وإذا بين لهم الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم قامت القيامة لأن ذلك البيان كان حاصلاً في الدنيا ولأن الثلاثة المتقدمة هي الطمس والفرج والنسف مختصة بوقت قيام القيامة، فكذا هذا التوقيت يجب أن يكون مختصاً بوقت قيام القيامة القول الثاني: أن المراد بهذا التأقيت تحصيل الوقت وتكوينه، وهذا أقرب أيضاً إلى مطابقة اللفظ، لأن بناء التفعيلات على تحصيل تلك الماهيات، فالتسويد تحصيل السواد والتحريك تحصيل الحركة، فكذا التأقيت تحصيل الوقت ثم إنه ليس في اللفظ بيان أنه تحصيل لوقت أي شيء، وإنما لم يبين ذلك ولم يعين لأجل أن يذهب الوهم إلى كل جانب فيكون التهويل فيه أشد فيحتمل أن يكون المراد تكوين الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم وأن يكون هو الوقت الذي يجتمعون فيه للفوز بالثواب، وأن يكون هو وقت سؤال الرسل عما أجيبوا به وسؤال الأمم عما أجابوهم، كما قال: {فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين} [الأعراف: 6] وأن يكون هو الوقت الذي يشاهدون الجنة والنار والعرض والحساب والوزن وسائر أحوال القيامة، وإليه الإشارة بقوله: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}.
{لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)} أي أخرت كأنه تعالى يعجب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال: لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بهؤلاء: وهي تعذيب من كذبهم وتعظيم من آمن بهم وظهور ما كانوا يدعون الخلق إلى الإيمان به من الأهوال والعرض والحساب ونشر الدواوين ووضع الموازين.
ثم إنه تعالى بين ذلك فقال: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، وهذا كقوله: {إِنَّ يَوْمَ الفصل ميقاتهم أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40].
ثم أتبع ذلك تعظيماً ثانياً فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)} أي وما علمك بيوم الفصل وشدته ومهابته.
ثم أتبعه بتهويل ثالث فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)} أي للمكذبين بالتوحيد والنبوة والمعاد وبكل ما ورد من الأنبياء عليهم السلام وأخبروا عنه.
بقي هاهنا سؤالان:
السؤال الأول:
كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ}؟ الجواب: هو في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه، ونحوه {سلام عَلَيْكُمُ} [الزمر: 73] ويجوز ويلا بالنصب، ولكن لم يقرأ به.
السؤال الثاني:
أين جواب قوله: {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ}؟ الجواب: من وجهين أحدهما: التقدير: إنما توعدون لواقع، إذا النجوم طمست، وهذا ضعيف، لأنه يقع في قوله: {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ}، الثاني: أن الجواب محذوف، والتقدير {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} وإذا وإذا، فحينئذ تقع المجازاة بالأعمال وتقوم القيامة.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)}
اعلم أن المقصود من هذه الصورة تخويف الكفار وتحذيرهم عن الكفر.
فالنوع الأول: من التخويف أنه أقسم على أن اليوم الذي يوعدون به، وهو يوم الفصل واقع ثم هول فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} [المرسلات: 14] ثم زاد في التهويل فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [المرسلات: 15].
والنوع الثاني من التخويف: ما ذكر في هذه الآية.
وهو أنه أهلك الكفرة المتقدمين بسبب كفرهم.
فإذا كان الكفر حاصلاً في هؤلاء المتأخرين، فلابد وأن يهلكهم أيضاً ثم قال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} كأنه يقول، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله: {خَسِرَ الدنيا والآخرة ذلك هُوَ الخسران المبين} [الحج: 11] وفي الآية سؤالان:
الأول:
ما المراد من الأولين والآخرين؟ الجواب: فيه قولان: الأول: أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين قوم شعيب ولوط وموسى كذلك نفعل بالمجرمين وهم كفار قريش، وهذا القول ضعيف لأن قوله: {نُتْبِعُهُمُ الأخرين} بلفظ المضارع فهو يتناول الحال والاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة القول الثاني: أن المراد بالأولين جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين} على الاستئناف على معنى سنفعل ذلك ونتبع الأول الآخر، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله {سنتبعهم}، فإن قيل: قرأ الأعرج {ثم نتبعهم} بالجزم وذلك يدل على الاشتراك في ألم، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل، قلنا: القراءة الثابتة بالتواتر نتبعهم بحركة العين، وذلك يقتضي المستقبل، فلو اقتضت القراءة بالجزم أن يكون المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين، وإنه غير جائز.
فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم للتخفيف كما روي في بيت امرئ القيس:
واليوم أشرب غير مستحقب

ثم إنه تعالى لما بين أنه يفعل بهؤلاء المتأخرين مثل ما يفعل بأولئك المتقدمين قال: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي هذا الإهلاك إنما نفعله بهم لكونهم مجرمين، فلا جرم في جميع المجرمين، لأن عموم العلة يقتضي عموم الحكم.
ثم قال تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أي هؤلاء وإن أهلكوا وعذبوا في الدنيا، فالمصيبة العظمى والطامة الكبرى معدة لهم يوم القيامة.
السؤال الثاني:
المراد من الإهلاك في قوله: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} هو مطلق الإماتة أو الإماتة بالعذاب؟ فإن كان ذلك هو الأول لم يكن تخويفاً للكفار، لأن ذلك أمر حاصل للمؤمن والكافر، فلا يصلح تحذيراً للكافر، وإن كان المراد هو الثاني وهو الإماتة بالعذاب، فقوله: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} يقتضي أن يكون الله قد فعل بكفار قريش مثل ذلك، ومن المعلوم أنه لم يوجد ذلك، وأيضاً فلأنه تعالى قال: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبهمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] الجواب: لم لا يجوز أن يكون المراد منه الإماتة بالتعذيب، وقد وقع ذلك في حق قريش وهو يوم بدر؟ سلمنا ذلك، فلم لا يجوز أن يكون المراد من الإهلاك معنى ثالثاً مغايراً للأمرين اللذين ذكروهما وهو الإماتة المستعقبة للذم واللعن؟ فكأنه قيل: إن أولئك المتقدمين لحرصهم على الدنيا عاندوا الأنبياء وخاصموهم، ثم ماتوا فقد فاتتهم الدنيا وبقي اللعن عليهم في الدنيا والعقوبة الأخروية دائماً سرمداً، فهكذا يكون حال هؤلاء الكفار الموجودين ومعلوم أن مثل هذا الكلام من أعظم وجوه الزجر. اهـ.

.قال القرطبي:

ثم بيّن وقت وقوعه (1) فقال: {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} أي ذهب ضوءها ومُحِي نورُها كطمس الكتاب؛ يقال: طَمَس الشيء إذا درس وطُمِس فهو مطموس، والريح تطمُس الآثار فتكون الريح طامسة والأثر طامساً بمعنى مطموس.
{وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} أي فُتِحت وشُقَّت؛ ومنه قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السماء فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ: 19].
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: فُرجت للطيّ.
{وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} أي ذهب بها كلها بسرعة؛ يقال: نَسفْتُ الشيءَ وأنسفته: إذا أخذته كله بسرعة.
وكان ابن عباس والكلبيّ يقول: سُوِّيت بالأرض، والعرب تقول: فَرَس نَسُوف إذا كان يؤخر الحزام بمرفقيه؛ قال بِشْر:
نَسُوفٌ لِلحِزَام بمرفقيها

ونَسَفت الناقةُ الكلأَ: إذا رعته.
وقال المبرد: نُسِفت قُلِعت من موضعها؛ يقول الرجل للرجل يقتلع رجليه من الأرض: أَنْسَفت رجلاه.
وقيل: النَّسْف تفريق الأجزاء حتى تذروها الرياح.
ومنه نسف الطعام؛ لأنه يُحرَّك حتى يذهب الريح بعض ما فيه من التِّبْن.
{وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ} أي جمعت لوقتها ليوم القيامة، والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه؛ فالمعنى: جعل لها وقت وأجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} [النساء: 109].
وقيل: هذا في الدنيا أي جمعت الرسل لميقاتها الذي ضرب لها في إنزال العذاب بمن كذبهم بأن الكفّار مُمْهَلون.
وإنما تزول الشكوك يوم القيامة.
والأوّل أحسن؛ لأن التوقيت معناه شيء يقع يوم القيامة، كالطمس ونَسْف الجبال وتشقيق السماء ولا يليق به التأقيت قبل يوم القيامة.
قال أبو علي: أي جعل يوم الدين والفصل لها وقتاً.
وقيل: أُقِّتت وُعِدت وأُجِّلت.
وقيل: {أُقِّتَتْ} أي أرسلت لأوقات معلومة على ما علمه الله وأراد.
والهمزة في {أُقِّتَتْ} بدل من الواو؛ قاله الفراء والزجاج.
قال الفراء: وكل واو ضُمَّت وكانت ضمتها لازمة جاز أن يبدل منها همزة؛ تقول: صلّى القوم إِحْدانا تريد وِحْدانا، ويقولون هذه وُجُوه حسان وأُجُوه.
وهذا لأن ضمة الواو ثقيلة.
ولم يجز البدل في قوله: {وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} لأن الضمة غير لازمة.
وقرأ أبو عمرو وحميد والحسن ونصر.
وعن عاصم ومجاهد {وُقِّتَتْ} بالواو وتشديد القاف على الأصل.
وقال أبو عمرو: وإنما يقرى {أُقِّتَتْ} من قال في وُجُوه أجُوه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج {وُقِتَت} بالواو وتخفيف القاف.
وهو فُعِلّت من الوقت ومنه {كِتَاباً مَوْقُوتاً}.
وعن الحسن أيضاً: {وُوِقِتَتْ} بواوين، وهو فُوعِلت من الوقت إيضاً مثل عُوهِدت.
ولو قلبت الواو في هاتين القراءتين ألفاً لجاز.
وقرأ يحيى وأيوب وخالد بن إلياس وسلاَم {أُقِتَتْ} بالهمزة والتخفيف؛ لأنها مكتوبة في المصحف بالألف.
{لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ}؟ أي أخرت، وهذا تعظيم لذلك اليوم فهو استفهام على التعظيم.
أي {لِيَوْمِ الفصل} أُجِّلت.
وروى سعيد عن قتادة قال: يفصل فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة أو إلى النار.
وفي الحديث: «إذا حشر الناس يوم القيامة قاموا أربعين عاماً على رؤوسهم الشمسُ شاخصةً أبصارهم إلى السماء ينتظرون الفصل» {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} أتبع التعظيم تعظيماً؛ أي وما أعلمك ما يوم الفصل؟ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أي عذاب وخزي لمن كذّب بالله وبرسله وكتبه وبيوم الفصل فهو وعيد.
وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب؛ لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكّذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر، ورُبّ شيء كذّب به هو أعظم جُرْماً من تكذيبه بغيره؛ لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الردّ على الله، فإنما يقسّم له من الويل على قدر ذلك، وعلى قدر وفاقه وهو قوله: {جَزَاءً وِفَاقاً}.
وروي عن النعمان بن بشير قال: وَيْلٌ: وادٍ في جهنم فيه ألوان العذاب.
وقاله ابن عباس وغيره.
قال ابن عباس: إذا خَبَت جهنُم أُخذ من جمره فألقى عليها فيأكل بعضها بعضاً.
وروي أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عُرضت عليّ جهنم فلم أَرَ فيها وادياً أعظم من الويْل» وروي أنه مَجْمَع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض وانفطر، وقد علم العباد في الدنيا أن شر المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغُسالات من الجيف وماء الحمامات؛ فذكر أن ذلك الوادي.
مستنقع صديد أهل الكفر والشرك؛ ليعلم ذوو العقول أنه لا شيء أقذر منه قذارة، ولا أنتن منه نتْناً، ولا أشدّ منه مرارةً، ولا أشدّ سواداً منه؛ ثم وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تضمن من العذاب، وأنه أعظم وادٍ في جهنم، فذكره الله تعالى في وعيده في هذه السورة.
قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين}
أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} أي نلحق الآخرين بالأوّلين.
{كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي مثل ما فعلناه بمن تقدّم نفعل بمشركي قريش إما بالسيف: وإما بالهلاك.
وقرأ العامة {ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ} بالرفع على الاستئناف، وقرأ الأعرج {نُتْبِعْهُمْ} بالجزم عطفاً على {نُهْلِكِ الأولين} كما تقول: ألم تزرني ثم أكرمك.
والمراد أنه أهلك قوماً بعد قوم على اختلاف أوقات المرسلين.
ثم استأنف بقوله: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} يريد من يهلك فيما بعد.
ويجوز أن يكون الإسكان تخفيفاً من {نُتْبِعُهُم} لتوالي الحركات.
وروي عنه الإسكان للتخفيف.
وفي قراءة ابن مسعود {ثُمَّ سَنُتْبِعُهُمْ} والكاف من {كَذَلِكَ} في موضع نصب، أي مثل ذلك الهلاك نفعله بكل مشرك.
ثم قيل: معناه التهويل لهلاكهم في الدنيا اعتبارا.
وقيل: هو إخبار بعذابهم في الآخرة. اهـ.